الكلمة الشهرية لشهر شعبان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعد فهذه الكلمة الشهرية لشهر شعبان
وهي متعلقة بمعنى اسم الجلالة ( الله) والدلالة على ثبوته وما يتعلق به من مسائل
في سلسلة من الكلمات الشهرية في التعريف بأسماء الله تبارك وتعالى . عبر هذا الموقع إن شاء الله وذلك بغية المساهمة في نشر هذا العلم الذي هو أشرف علم تعلمته النفوس . وانفع علم حوته القلوب . وأسعد ما تلذذ بعه العارفون من المعارف والعلوم ،وكيف لا يكون كذلك وهو متعلق بمعرفة الله التي لا يمكن أن تقارن بأي معرفة أخرى كما لايمكن أن يقاس الله بخلقه .
اسم الرب (الله )
أولا : معناه : ” الله ” أصله إلاه على وزن فعال، بمعنى مفعول، لأنه مألوه أي معبود، ككتاب بمعنى مكتوب. ([1])
قال ابن فارس :”الْهَمْزَةُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ. فَالْإِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْبُودٌ. وَيُقَالُ: تَأَلَّهَ الرَّجُلُ: إِذَا تَعَبَّدَ. “([2])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ” “الإله الحق هو الذي يستحق أن يُعبَد فهو إلهٌ بمعنى مألوه، لا إله بمعنى آلِه”([3])
اشتقاقه :اختلف في اسم ا(الله ) هل هومشتق أم جامد ؟
قال السمعاني:” اختلفوا فيه، فقال الخليل، وابن كيسان هو اسم علم خاص لله تعالى لا اشتقاق له…. وهو اختيار القفال الشاشي، وجماعة من أهل العلم.وقال الباقون: هو اسم مشتق.” ([4])
والصواب أنه مشتق على ماقرره الإمام ابن القيم وأجاب عن شبهة من نفى عنه الاشتقاق:
قال رحمه الله :”زعم أبو القاسم السهيلي وشيخه ابن العربي: أن اسم الله غير مشتق لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها واسمه تعالى قديم والقديم لا مادة له فيستحيل الإشتقاق ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى وأنه مستمد من أصل آخر فهو باطل ولكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى ولا ألم بقلوبهم وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والرحيم والسميع والبصير فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب وهي قديمة “([5])
وقال رحمه الله :”أننا لا نعني بالإشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة …
فالإشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مادي وإنما هو اشتقاق تلازم سمي المتضمن بالكسر مشتقا والمتضمن بالفتح مشتقا منه ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى. “([6])
الصفة التي اشتق منها: تقدم أن اسم ( الله) مشتق والصفة التي اشتق منها (الألوهية)و(المعبودية)
فعن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما قال: “الله” ذو الألوهية والمَعْبودية على خلقه أجمعين.” ([7])
وتقدم في كلام ابن القيم السابق :” وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية”
وقال السعدي: “الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هى صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام” ([8])
وبهذا يتبين أن هذا الإسم دال على صفتي (الألوهية) و(العبودية )كما جاء في كلام ابن عباس . أما دلالته على الألوهية فدلالة لفظية فالله مشتق من أله كما تقدم .وأما دلا لته
عل (المعبودية )فدلالة معنوية فالمألوه هو المعبود . والله تعالى أعلم .
الأدلة عليه:
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]
{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]
{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } [النور: 42]
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180]
ومن السنة قول النبيr «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ”([9])
وقوله ” rأُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،”([10])
والأدلة من الكتاب والسنة في اثبات هذا الاسم كثيرة جدا لاتكاد تحصى لكثرتها.
دلا لته على الأسماء الحسنى كلها :
قال ابن القيم “فاسم الله دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا بالدلالات الثلاث، فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه.
وصفات الإلهية: هي صفات الكمال، المنزهة عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] ويقال: الرحمن والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله دال على كونه مألوها معبودا، تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا، وفزعا إليه في الحوائج والنوائب”([11])
خصائصه:
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله -في سياق ذكر خصائصه اسم (الله) المعنوية : وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلي الله عليه وسلم:
” لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ” وكيف نحصي خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق، وكل مدح وحمد، وكل ثناء وكل مجد، وكل جلال وكل كمال، وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وفضل وبر فله ومنه؟ فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثره، ولا عند خوف إلا أزاله ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه. فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات. وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه خقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه وقام بحقه،
وبه شقي من جهله وترك حقه; فهو سر الخلق والأمر. وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق به وإليه ولأجله. فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئا منه ومنتهيا إليه. وذلك موجبه ومقتضاه {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} “([12])
ومهما قيل في معاني أسماء الله عموما وهذا الاسم العظيم (الله ) خصوصا ، فلا يمكن الوفاء بمعاني أسمائه سبحانه، والاحاطة بدلا لاتها وما تتضمنه من كمال . وإنما يذكر الناس ما وقفوا عليه من ذلك بتوفيق الله وبما هداهم إليه من وجوه الكمال فيها . إلى أن ينتهي العلم البشري
فيها عند حد لا يتجاوزوه وتقصر أفهامهم وعلومهم عن الاحاطة بكماله وعظمته وجلاله كما قال تعالى : {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] فأخبر تعالى عن إحاطة علمه بهم وأنه يعلم مابين أيديهم وماخلفهم . ونفى عنهم الاحاطة به علما . وهذا ما شهد به اعلم الخلق بربه وسيد المرسلين ﷺ في قوله لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»([13])
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.
([1]) انظر الصحاح للجوهري(6/ 2223)
([2])مقاييس اللغة (1/ 127)
([3])التدمرية (ص: 186)
([4]) تفسير السمعاني (1/ 32-33)
([5])بدائع الفوائد (1/ 22)
([6])بدائع الفوائد (1/ 22-22)
([7]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 123)
([8])تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (ص: 164)
([9])أخرجه البخاري (9/ 124)
([10])أخرجه البخاري (9/ 93) و مسلم (1/ 51)
([11])مدارج السالكين (1/55- 56)
([12]) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 11)
([13]) أخرجه مسلم (1/ 352)